فصل: قال الصابوني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الصابوني:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}.
[7] في القصاص حياة النفوس:

.التحليل اللفظي:

{كُتِبَ}: قال الفراء {كُتِبَ عَلَيْكُمُ} معناه في كل القرآن: فرض عليكم قال الشاعر:
كُتب القتلُ والقتال علينا ** وعلى الغانياتِ جرّ الذيول

قال الطبري: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص} بمعنى فُرض عليكم القصاصُ، وهو في أشعارهم مستفيض، وفي كلامهم موجود، وهو أكثر من أن يحصى.
{القصاص}: أن يفعل به مثل فعله من قولهم: اقتصّ أثر فلان إذا فعل مثل فعله.
قال الراغب: القصاص مأخوذ من القصّ وهو تتبع الأثر قال تعالى: {فارتدا على آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64] والقصاصُ: تتبعُ الدم بالقَوَد قال تعالى: {والجروح قِصَاصٌ} [المائدة: 45].
قال في اللسان: قصصتُ الشيء إذا تتبعت أثره شيئًا بعد شيء ومنه قوله تعالى: {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص: 11] أي اتبعي أثره، والقصاصُ: القَوَد وهو القتل بالقتل قال الشاعر:
فرمنا القصاصَ وكان القصا ** صُ حكمًا وعدلًا على المسلمينا

{القتلى}: جمع قتيل ويستوي فيه المذكر والمؤنث، كصرعى جمع صريع، وجرحى جمع جريح.
قال في اللسان: ورجلٌ قتيل أي مقتول، وامرأة قتيل أي مقتولة، فإذا قلت: قتيلة بني فلان قلت بالهاء.
وقال الطبري: وإنما يجمع فعيل على فَعْلى إذا كان وصفًا دالًا على الزمانة بحيث لا يقدر معه صاحبه على البُراح من موضعه وأصل القتل إزالة الروح عن الجسد كالموت، ولكن إذا اعتبر بفعل الشخص يقال: قتلٌ، وإذا عتبر بفوت الحياة يقال: موتٌ، قال تعالى: {أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ} [آل عمران: 144].
{عُفِيَ}: العفو معناه الصفح، والإسقاط، تقول: عفوت عنه أي صفحتُ عنه ومنه قوله تعالى: {عَفَا الله عَمَّا سَلَف} [المائدة: 95] وقوله: {واعف عَنَّا} [البقرة: 286] وعفوتُ لكم عن صدقة الخيل والرقيق أي أسقطتها عنكم.
والمعنى: فمن تُرِك له من جهة أخيه شيءٌ أي ترك له القتل، ورُضي منه بالدية.
{فاتباع بالمعروف}: مطالبته بالمعروف، أي يطالبه وليّ القتيل بالرفق والمعروف، ويؤدي إليه القاتل الدية بإحسان، بدون مماطلة أو بخس أو إساءة في الأداء.
{فَمَنِ اعتدى}: أي ظلم فقتل القاتل بعد أخذ الدية فله عند الله عذاب أليم.
{الألباب}: العقول جمع لب، مأخوذ من لب النخلة.

.المعنى الإجمالي:

يقول الله جل ثناؤه ما معناه: يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم أن تقتصوا للقتيل من قاتله، ولا يبغيّن بعضكم على بعض، فإذا قتل الحرُّ الحرَّ فاقتلوا فقط، وإذا قتل العبدُ العبدَ فاقتلوه به، وإذا قتلت الأنثى الأنثى فاقتلوها بها مثلًا بمثل بالعدل والمساواة، ودعوا الظلم الذي كان بينكم فلا تقتلوا أحرارًا، ولا بالعبد حرًا، ولا بالأنثى رجلًا، فإن ذلك ظلم وعدوان، واستعلاء وطغيان، فمن تُرك له شيء من القصاص إلى الدية، وعفا عنه وليّ القتيل فلم يقتص منه وقبل منه الدية، فليحسن الطالب في الطلب من غير إرهاقٍ ولا تعنيف، ولْيحسن الدافع في الأداء من غير مماطلة ولا تسويف، ذلك الذي شرعته لكم- أيها المؤمنون- من العفو إلى الدية، تخفيف من ربكم ورحمة، خفَّف به عنكم ليظهر فضله عليكم، على عكس من سبقكم من اليهود حيث لم يكن في شرعهم إلا القصاص، فمن تجاوز منكم بعد أخذ الدية وقتل القاتل، فله عذاب أليم عند الله، لأنه ارتكب جريمة بنقضه العهد وغدره بالقاتل بعد أن أعطاه الأمان، وأخذ منه المال.
ولكم- يا أولي العقول- فيما شرعت لكم من القصاص حياة وأي حياة، لأنه من علم أن من قتل نفسًا قُتل بها يرتدع وينزجر عن القتل، فيحفظ حياته وحياة من أراد قتله، وبذلك تصان الدماء، وتحفظ النفوس، ويأمن الناس على أرواحهم، ذلك هو شرع الله الحكيم، ودينه القويم، الذي به حياة الناس وسعادتهم في الدنيا والآخرة.

.سبب النزول:

أ- روي في سبب نزول هذه الآية عن قتادة أنَّ أهل الجاهلية كان فيهم بغيٌ وطاعة للشيطان، وكان الحي منهم إذا كان فيهم عدة ومنعة، فقتل عبدُهم عبدَ آخرين، قالوا: لن نقتل به إلا حرًا، تعزّزًا لفضلهم على غيرهم، وإذا قتلت امرأةٌ منهم امرأةً من آخرين قالوا: لن نقتل بها إلا رجلًا، فأنزل الله: {الحر بِالْحُرِّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}.
ب- وروي عن سعيد بن جبير أن حيّين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل، فكان بينهم قتلٌ وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال، فحلفوا ألا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم، وبالمرأة منا الرجل منهم فنزل فيهم: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى}.

.لطائف التفسير:

اللطيفة الأولى:
أكرم الله هذه الأمة المحمدية فشرع لهم قبول الدية في القصاص، ولم يكن هذا في شريعة التوراة، روي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية، فقال الله لهذه الأمة {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى} إلى قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} فالعفو أن تقبل الدية في العمد {فاتباع بالمعروف وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} يتبع الطالب بالمعروف، ويؤدي إليه المطلوب بإحسان {ذلك تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} ممّا كتب على من كان قبلكم {فَمَنِ اعتدى بَعْدَ ذلك} قتل بعد قبول الدية {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
اللطيفة الثانية:
قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي القصاص حياوة} الآية.
قال الزجاج: إذا علم الرجل أنه إن قَتَل، أمسك عن القتل، فكان في ذلك حياة للذي همّ بقتله ولنفسه، لأنه من أجل القصاص أمسك. وأخذ هذا المعنى الشاعر فقال:
أبلغ أبا مالك عني مغلغلةً ** وفي العتاب حياةٌ بين أقوام

يريد أنهم إذا تعاتبوا أصلح العتاب ما بينهم.
اللطيفة الثالثة:
بيّنت هذه الآية على وجازتها حكمة القصاص، بأسلوب لا يُسامى، وعبارةٍ لا تُحاكى، واشتهر أنها من أبلغ آي القرآن.
ومن دقائق البلاغة فيها أن جعل فيها الضد متضمنًا لضده، وهو الحياة في الإماتة التي هي القصاص، وعرّف القصاص ونكّر الحياة للإشعار بأن في هذا الجنس نوعًا من الحياة عظيمًا لا يبلغه الوصف، وذلك لأن العلم به يردع القاتل عن القتل فيتسبب في حياة البشرية. ثم إنها في إيجازها قد ارتقت أعلى سماء للإعجاز، وقد اشتهر عن بعض بلغاء العرب كلمة في معناها، كانوا يعجبون من إيجازها وبلاغتها، ويظنون أن الطاقة لا تصل إلى أبعد من غايتها وهي قولهم: «القتل أنفى للقتل» وإنما فتنوا بهذه الكلمة وظنوا أنها نهاية ما يمكن أن يبلغه البيان، لأنها قيلت قبلها أقوال المشاهير البلغاء كقولهم: قتل البعض إحياء للجميع وقولهم: أكثروا القتل ليقلّ القتل وأجمعوا على أن كلمة القتل أنفى للقتل أبلغ هذه العبارات على الإطلاق.
قال الإمام الفخر: وبيان التفاوت بين النظم الكريم وبين كلام العرب من وجوه عدة:
الأول: أن النظم الكريم {في القصاص حياة} أشد اختصارًا من قولهم «القتلُ أنفى للقتل» لأن حروفها أقل.
الثاني: أن قولهم «القتل أنفى للقتل» ظاهرة يقتضي كون الشيء سببًا لانتفاء نفسه وهو محال.
الثالث: أنّ كلامهم فيه تكرار للفظ القتل، وليس في الآية الكريمة هذا التكرار.
الرابع: أن قولهم لا يفيد إلا الردع عن القتل، والآية أجمع لأنها تفيد الردع عن القتل والجراح.
الخامس: أن القتل ظلمًا قتلٌ وليس نافيًا للقتل، بل هو سبب لزيادة القتل، فظاهر قولهم باطل، وبذلك يظهر التفاوت بين الآية وبين كلام العرب.

.الأحكام الشرعية:

.الحكم الأول: هل يقتل الحر بالعبد، والمسلم بالذمي؟

اختلف الفقهاء في الحر إذا قتل عبدًا، والمسلم إذا قتل ذميًا هل يقتلان بهما أم لا؟
فذهب الجمهور: المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الحر لا يقتل بالعبد، ولا المسلم بالذمي.
وذهب الحنفية: إلى أن الحر يقتل بالعبد، وكذلك المسلم يقتل بالذمي.
أدلة الجمهور:
استدل الجمهور على مذهبهم بالكتاب، والسنة، والمعقول.
أ- أما الكتاب فقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى} فقد أوجب الله المساواة، ثمّ بيّن هذه المساواة بقوله: {الحر بِالْحُرِّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}.
فالحرّ يساويه الحر، والعبد يساويه العبد، والأنثى تساويها الأنثى، فكأنه تعالى يقول: اقتلوا القاتل إذا كان مساويًا للمقتول، قالوا: ولا مساواة بين الحر والعبد فلا يقتل به، وكذلك لا مساواة بين المسلم والكافر فلا يقتل به.
ب- وأما السنة: فما رواه البخاري عن علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُقتل مسلم بكافر».
ج- وأما المعقول: فقالوا: إن العبد كالسِّلعة والمتاع بسبب الرق الذي هو من آثار الكفر، والكافر كالدابة بسبب الكفر الذي طغى عليه، وقد قال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله الذين كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأنفال: 55] فكيف يُساوى المؤمن بالكافر، وكيف يقتل به؟.
أدلة الحنفية:
واستدل الحنفية على مذهبهم ببضعة أدلة نوجزها فيما يلي:
أولًا: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى} إنّ الله أوجب قتل القاتل بصدر الآية، وهي عامة تعم كل قاتل سواءً كان حرًا أو عبدًا، مسلمًا أو ذميًا، وأما قوله تعالى: {الحر بِالْحُرِّ والعبد بالعبد} إلخ فإنما هو لإبطال الظلم الذي كان عليه أهل الجاهلية، حيث كانوا يقتلون بالحر أحرارًا، وبالعبد حرًا، وبالأنثى يقتلون الرجل تعديًا وطغيانًا، فأبطل الله ما كان من الظلم، وأكد القصاص على القاتل دون غيره كما فهم ذلك من سبب النزول وقد تقدم.
ثانيًا: واستدلوا بقوله تعالى في سورة [المائدة: 45]: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النفس بالنفس} قالوا: وهو عموم في إيجاب القصاص في سائر المقتولين، وشرع من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يرد ناسخ، ولم نجد ناسخًا.
ثالثًا: واستدلوا كذلك بقوله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] فإن هذه الآية انتظمت جميع المقتولين ظلمًا، عبيدًا كانوا أو أحرارًا، مسلمين أو ذمّيين، وجُعل لوليهم سلطان وهو القود أي القصاص.
رابعًا: واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم» فيكن العبد مساويًا للحر.
خامسًا: واستدلوا بحديث: «من قتل عبده قتلناه، ومن جدعه جدعناه، ومن خصاه خصيناه».
قالوا: فهذا نص على أن الحر يقتل بالعبد، لأن الإسلام لم يفرّق بين حر وعبد.
سادسًا: واستدلوا بما رواه البيهقي من حديث عبد الرحمن البيلماني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل مسلمًا بمعاهد وقال: «أنا أكرم مَن وفّى بذمته».
سابعًا: قالوا: ومما يدل على قتل المسلم بالذمي اتفاق الجميع على أنه يقطع إذا سرقه، فوجب أن يقاد منه، لأن حرمة دمه أعظم من حرمة ماله.
هذه هي خلاصة أدلة الفريقين: عرضناها باختصار، وسبب الخلاف في الحقيقة يرجع إلى اختلاف العلماء في فهم الآية، فالحنفية يقولون: إن صدر الآية مكتف بنفسه، وقد تم الكلام عند قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى} وسائر الأئمة يقولون: لا يتم الكلام هاهنا، وإنما يتم عند قوله: {والأنثى بالأنثى} فهو تفسير له وتتميم لمعناه، والآية وردت لبيان التنويع والتقسيم.
وقد اعترض الحنفية على الجمهور بأنه ينبغي ألا يُقتل الرجل إذا قتل أنثى؟ وكذلك العبد إذا قتل حرًا؟ مع أنهم يقولون أنه يقتل العبد بالحر، والرجل بالمرأة!!
أجاب الجمهور: بأن ظاهر الآية يفيد ألا يقتل العبد بالحر، ولكننا نظرنا إلى المعنى فرأينا أن العبد يُقتل بالعبد، فأولى أن يقتل بالحر، وأما قتل الرجل بالمرأة فذلك ثابت بالإجماع، وهو دليل آخر خصّص الآية الكريمة ولولا الإجماع لقلنا لا يقتل الذكر بالأنثى.
يقول فضيلة الشيخ السايس في كتابة تفسير آيات الأحكام ما نصه:
والعقل يميل إلى تأييد قول أبي حنيفة في هذه المسألة، لأن هذا التنويع والتقسيم الذي جعله الشافعية والمالكية بمثابة بيان المساواة المعتبرة، قد أخرجوا منه طردا وعكسًا الأنثى بالرجل، فذهبوا إلى أن الرجلُ يقتل بالأنثى، والأنثى تقتل بالرجل، وذهبوا إلى أنّ الحر لا يقتل بالعبد، ولكنهم أجازوا قتل العبد بالحر، فهذا كله يُضعف مسلكهم في الآية. أما مسلك أبي حنيفة فيها فليس فيه هذا الضعف، وحينئذٍ يكون العبد مساويًا للحر، ويكون المسلم مساويًا للذمي في الحرمة، محقون الدم على التأييد.
الترجيح:
أقول: مذهب أبي حنيفة في قتل الحر بالعبد معقول المعنى، مؤيد من قتل عبده قتلناه... فالإسلام قد ساوى بين الأحرار والعبيد في الدماء، فحرمة العبد كحرمة الحر، ونفس العبد كنفس الحر، ولهذا يقتل به.
أما قتل المؤمن بالكافر: ففي النفس من قول أبي حنيفة شيء، والراجح فيه رأي الجمهور لاسيما بعد أن تأكد بالدليل الثابت «لا يُقتل مسلم بكافر» أخرجه البخاري.
وكما يقول ابن كثير رحمه الله: لا يصح حديث ولا تأويلٌ يخالف هذا.
ثمّ كيف يتساوى المؤمن مع الكافر، مع أن الكافر شرّ عند الله من الدابة؟ والمؤمن طيّب طاهر والله تعالى يقول: {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} [التوبة: 28] ويقول: {قُل لاَّ يَسْتَوِي الخبيث والطيب} [المائدة: 100]، فكيف نقتل مؤمنًا طاهرًا بمشرك نجس؟! فالراجح إن شاء الله في هذه المسألة قول الجمهور. وقد رأيت في بعض مراجعاتي قصة لطيفة وهي أن أبا يوسف القاضي من تلامذة الإمام أبي حنيفة، رفعت إليه قضية، تتلخص في أن مسلمًا قتل ذميًا كافرًا، فحكم عليه أبو يوسف بالقصاص، فبينما هو جالس ذات يوم، إذ جاءه رجل برقعةٍ فألقاها إليه ثم خرج، فإذا فيها هذه الأبيات:
يا قاتلَ المسلم بالكافرِ ** جرتَ وما العادلُ كالجائر

يا مَنْ ببغدادَ وأطرافِها ** من علماء الناسِ أو شاعرِ

استرجُعوا وابكُوا على دينكم ** واصطبروا فالأجرُ للصابر

جار على الدين أبو يوسف ** بقتله المؤمن بالكافر

فدخل أبو يوسف على الرشيد وأخبره الخبر، وأقرأه الرقعة فقال له الرشيد: تدارك هذا الأمر لئلا تكون فتنة.. فدعا أبو يوسف أولياء القتيل وطالبهم بالبينة على صحة الذمة وثبوتها، فلم يستطيعوا أن يثبتوا فأسقط القود وأمر بدفع الدية.